زهران ممداني يحطم حاجزاً تاريخياً: هل يمكن أن تنتخب مدينة نيويورك عمدةً مسلمًا؟

زهران ممداني يحطم حاجزاً تاريخياً: هل يمكن أن تنتخب مدينة نيويورك عمدةً مسلمًا؟

نيويورك - يمنيز أوف أميركا: حطم زهران ممداني حاجزًا بدا في يوم ما غير قابل للاختراق، منذ أن غيرت هجمات 11 سبتمبر معنى أن تكون مسلمًا في هذه المدينة.

كان أحد أول الأمور غير التقليدية التي فعلها زهران ممداني خلال حملته الانتخابية لمنصب عمدة نيويورك أن قفز إلى داخل عربات الطعام الحلال.

وهو يرتدي بدلته الرسمية، وقف بجوار الشوايات بينما كان الباعة يقطعون الدجاج ويقلبون الفلافل، وبدأ بإجراء مقابلات معهم حول مشكلة سماها «التضخم الحلالي» – أي لماذا أصبحت وجبة الأرز واللحم تكلف 10 دولارات بدلاً من 8 – وسألهم كيف يمكنه المساعدة.

في البداية، تساءل كثير من المسلمين: «هل يمكن لمدينة نيويورك أن تنتخب عمدةً مسلمًا؟» كما قال محمد عطية، المدير التنفيذي لـ«مشروع باعة الشوارع»، الذي ساعد المرشح على التواصل مع أصحاب العربات. لكنه أضاف أن الباعة أُلهِموا بحملته، وانتشرت الإشادة بممداني بين الزبائن والمساجد.

وفي يوم الثلاثاء، أجابت المدينة على هذا السؤال للمرة الأولى: نعم، وبقوة.

مع فوزه، أصبح ممداني، البالغ من العمر 34 عامًا وعضو الحزب الديمقراطي، قد تحدى ردات الفعل المعادية للمسلمين تجاه ترشحه ، وحطم حاجزًا كان يبدو مستحيلاً منذ أن غيرت هجمات 11 سبتمبر معنى أن تكون مسلمًا في نيويورك.

ورغم وجود أربعة أعضاء مسلمين في الكونغرس وعدد من العمد في مدن أميركية أصغر، فإن ممداني، باعتباره عمدة مركز المال الأميركي، سيصبح أعلى مسؤول مسلم منتخب في البلاد. لقد فاز بينما كان يعبّر بفخر عن إيمانه الإسلامي خلال حملته، حتى في وقتٍ هيمنت فيه الانقسامات حول معاداة السامية والإسلاموفوبيا والحرب في غزة على المشهد الانتخابي، بما في ذلك داخل المجتمعات اليهودية والمسلمة الكبيرة في المدينة.

وبحسب تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز، قال كيث إليسون، المدعي العام الديمقراطي في ولاية مينيسوتا، إن انتخاب ممداني يظهر «تقدماً دراماتيكيًا» مقارنةً بانتخابه هو نفسه عام 2006 كأول مسلم يدخل الكونغرس. وأضاف إليسون: «هذا يعكس صورة إيجابية لبلادنا، لأننا في لحظة ربما وصل فيها الرئيس إلى السلطة عبر استمالة رغبة الناس في الإقصاء، نجد أن الأميركيين ما زالوا يحاولون الإدماج»

وفي الليلة نفسها، انتخب الناخبون في فيرجينيا الديمقراطية غزالة هاشمي لمنصب نائبة الحاكم، لتصبح أول امرأة مسلمة تفوز بمنصب على مستوى الولاية هناك.

لقد عانى الديمقراطيون لسنوات في جذب الناخبين المتدينين، لكن في غضون أشهر قليلة فقط، نجح ممداني في تنشيط قاعدة جديدة من الناخبين المسلمين، واستقطب تحالفًا تقدميًا متنوعًا دعم أهدافه مثل جعل نيويورك مدينة ميسورة الكلفة ومعارضة الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة على أسس أخلاقية.

والآن، بات أبرز وجهٍ للدين التقدمي داخل الحزب الديمقراطي ليس مسيحيًا ليبراليًا، بل مسلمًا يمارس شعائره الدينية، وفي الوقت نفسه يخلق مساحة للتفاهم بين الأديان وللقيم الأخلاقية المشتركة.

كثير من مواقف ممداني السياسية ليست مرتبطة مباشرةً بعقيدته، لكنه لم يتردد في جعل إيمانه محورًا في حملته، متوجها إلى نحو مليون مسلم في نيويورك الذين – كما قال – «تعودوا طويلاً على العيش في الظلال».

تاريخيًا، مال المسلمون الأميركيون إلى تأييد الحزب الديمقراطي، لكنهم في السنوات الأخيرة أصبحوا أكثر تذبذبًا في انتماءاتهم. ففي ميشيغن العام الماضي مثلاً، ساهم الناخبون العرب الأميركيون في فوز الرئيس ترامب بالولاية، معبرين عن استيائهم من دعم إدارة بايدن لإسرائيل. وقد أظهر صعود ممداني كيف أصبح الناخبون المسلمون يطالبون بمزيد من التفاعل والاعتراف بدورهم السياسي.

زار ممداني أكثر من خمسين مسجدًا خلال حملته، وكان يحرص على أداء صلاة الجمعة كل أسبوع في مسجد مختلف. كما خاض حملته وهو صائم في رمضان، وعقد زواجه الإسلامي في دبي، حيث تعيش عائلة زوجته. وعندما زار عائلة ضابط شرطة قتل في إطلاق نار بمانهاتن في يوليو، أخبروه أن الضابط الراحل كان قد التقى به ذات مرة في صلاة العيد.

وقال عبدول السيد، الديمقراطي والمدير السابق للصحة العامة والمرشح لمجلس الشيوخ في ميشيغن: «هناك دائمًا محاولة لرسم حدود ضيقة لما يمكن أن يعنيه أن تكون أميركيًا. وهذا ما يجعل هذه اللحظة مميزة للغاية».

بعد أحداث 11 سبتمبر، عندما كان ممداني في الثالثة عشرة من عمره، كتب والده – وهو أستاذ علوم سياسية في جامعة كولومبيا – كتابًا بعنوان «المسلم الجيد، المسلم السيئ»، حاول فيه تفكيك الثنائية النمطية للهويات الإسلامية السياسية.

وأهدى والده الكتاب إلى «زهران ورفاقه» في أوغندا وكيب تاون ونيويورك ونيودلهي، مع الأمل بأنهم «معًا، سيعيدون تشكيل العالم الذي يرثونه منا».

ويعد فوز ممداني اليوم رمزًا ليس فقط للمدينة، بل لمسار جديد لمشاركة المسلمين في السياسة الأميركية، مؤكدًا أن الهوية الدينية يمكن أن تتوافق مع الطموح المدني والمواطنة النشطة، وأن الأبواب لا تزال مفتوحة أمام من طالما عاشوا في الظلال.

error: المحتوى محمي!!