لوحات حميد عقبي .. تخرج من الشمس
بقلم: د. ثريا بن الشيخ
لَيْس سهلا أن تكونَ يَمني الأصلِ، إنسانيَّ الانتماء والنوازع، وتتجاهل ما تأسسَ عليه تاريخُك العريق دون أن تسعى إلى طرق كل أبواب المجد التي كان أجدادك سباقين إليها لتستعيد الأدوار الأولى التي جعلتك تتميز عن غيرك.
هذه الأبواب الجميلة التي حين اجتمعت بين أناملك أنتجت خطابا عميق الدلالات غني التداعيات.. ها هو اليمني الأسمر يتنقل بين الفنون الجميلة وقد تدفقت في أعماقه مِياهُ سَد مأربَ شلالا بكل ما يسكنه من طفولةٍ ودهشة و محبة وحلم، بحثا عن صيغة وجود يستعيد معها عنفوانَ الرجل الشرقي الذي تتعدد فيه مساحات الحلم ... فالذي تَسكن الشمسُ قلبَه، يأبى العيش في الظلام ، والابداع دفقة شعورية لا تتنفس إلا داخل الفنون الجميلة.
وقد رأيناه في السينما وفي الشعر والقصة والكتابة الهادفة؛ ها هو اليوم يعانقُ ريشةً مرتعشة ليرسم تفاصيل حلمه الكبير الذي جعلنا جميعا نبحث عن ملامح أكثر المراحل التي عشناها بنفس المخاوف والأمنيات.
فأول ما يثير الانتباه في لوحاته، شَغفُ الألوان وهندسة المعنى، معنى ينغُل فينا من الداخل ليتشكل في حواسّنا ونتشكل معه في نفس الآن. هذا المعنى الذي لا يجد امتداداته إلا عبر متلقّ يسكنه هوس البحث عن أعمق الاستعارات وأقدرها على ملامسة البعد الإنساني فينا.
إن هذا النوع من الشجن العذب يفترض فينا قابلية التواطؤ، بل يورطنا معه. وحتى ندركَ ما يستند إليه من معاناة وما يقوم عليه من رهانات يوجعنا وهو يحرك فينا السواكن ويستنطق فينا المبهمات.
عادةً ما يجد الناقد الأدبي نفسه في ورطة أمام الإبداع. فهو يدرك أن لكل نمط تعبيري خصوصيته. فهو يقوم على آليات اشتغال تجمع بين ما هو أجناسي الذي يقتضي المعرفة وبين ما هو حدسي يرتبط بالقدرة على إنتاج أسلوب خاص يتمرد على الأنماط السابقة. إلا أن تجربة الفنون التشكيلية ترتبط تاريخيا بالمنجز الذي عرف دراسة وتصنيفا يعود إلى نظرية الأدب. وقد انتقل الرسم من الانطباعية إلى التكعيبية والسريانية ثم التعبيرية، وهي أقصى المراحل. ولا شك أن هذا التصنيف لا يقوم على انفصال هذه المراحل عن بعضها البعض كما أنها مذاهب فنية مشتركة بين الرسم والشعر معا ." فمن لم يكن شاعرا لا يمكنه أن يُصبح رساما ".
يقول بروتاجوراس: الرسم شعر صامت والشعر رسم ناطق . من هنا تنبع العلاقة القوية بين الرسم والشعر. ففي لوحات المبدع حميد عقبى بحث عن الانعتاق من الحدود، ليس فقط لأنها لوحات أُنجزت زمن الحجر الصحي، وإنما هي قصائد تعبر عن مرحلة جديدة من العلاقات الإنسانية مرتبطة بعدة تحولات عالمية قادرة على خلخلة المفاهيم السابقة.
*أستاذة باحثة وشاعرة من المملكة المغربية